ولد هذا الفنان العالم الشيخ عمر البطش في مدينة حلب عام 1885 في بيئة عاملة إذ كان والده معماريا وكان عمر يتعلم بعض الألحان من خاله بكري القصير وكان يصحبه خاله معه إلى الحلقات الصوفية والمجالس الدينية لينشد الموشحات التي يعلمه إياها
وكانت تلك الحلقات تجمع أكثر رجال الفن وأقطاب الغناء في ذلك العصر أخذت موهبة عمر تتفتح وتنمو بسرعة فائقة في سائر النواحي الموسيقية والغنائية فتعلم غناء الموشحات ونغماتها وقواعدها وموازينها
كما تعلم أصول سير السماح الصوفي وأصبح فيما بعد الأستاذ المتفنن في العالم العربي لهذا اللون من الفن الغنائي الراقص وفي عام 1914 في بداية الحرب العالمية الأولى دعي عمر للخدمة الإجبارية في الجندية العثمانية ولكن معرفته الفنية شفعت له وأدخلته في الفرقة الموسيقية النظامية في دمشق وكانت آلته التي اختص بها هي الترومبيت وأعجب به حاكم سورية آنذاك جمال باشا الصغير فعينه في عداد فرقته الموسيقية الخاصة .
أنهى عمر جنديته وعاد إلى حلب ليحترف صناعة الغناء وضرب الإيقاع وتلحين الموشحات وأصبح المطربون يفدون عليه زرافات ووحدانا لينهلوا من معينه روائع ألحانه و محفوظاته كما عمل على المسارح الغنائية ضارب إيقاع ومن طريف مناسباته أنه اجتمع يوما بالأستاذ محمد عبد الوهاب عند زيارته لمدينة حلب عام 1932 ولما عرفه عبد الوهاب الوشاح الأكبر في البلاد العربية أراد أن يمتحنه في ميدان اختصاصه فطلب إليه أن يسمعه موشحا من مقام السيكاه الأصلي وهذه النغمة تكاد تكون مفقودة في ألحان الموشحات فأجابه الشيخ عمر البطش أن طلبه موجود لديه وسيأتيه به في اليوم التالي وفي الحقيقة لم يكن هذا الموشح موجودا كما قال لعبد الوهاب ولكنه ذهب في تلك الليلة إلى بيته وقام بتلحين هذا الموشح من مقام السيكاه الأصلي كما طلب منه وفي اليوم التالي اجتمع بالأستاذ محمد عبد الوهاب واسمعه ذلك الموشح باسم لحن قديم فدهش عبد الوهاب وأكبر فيه حافظته القوية لتراثنا الموسيقي العربي ولو عرف عبد الوهاب الحقيقة لزاد إعجابه بتلك العبقرية والذكاء وسرعة البديهة وقوة صياغة الألحان بهذه الطريقة الجذابة والمقبولة لدى سائر أرباب السماع .
وفي عام 1936 دعته إدارة مدرسة دوحة الآداب في دمشق ليعلم طالباتها أصول رقص السماح الإيقاعي بمناسبة الحفلة المدرسية السنوية التي جرت إدارة المدرسة على إقامتها في نهاية كل عام دراسي فحضر الشيخ عمر ودرب فتيات المعهد على لوحات فنية من هذا السماح وأقيمت الحفلة وحضرها وجهاء المدينة ورجال الدولة وكان إعجابهم بها رائعا وتقديرهم لمدربها عظيما وفعلا كانت تلك الحفلة أولى الحفلات الناجحة في دمشق وبخاصة في دوحة الآداب وفي عام 1947 عندما أحدثت الدولة دارا للإذاعة اللاسلكية واتبعته بمعهد موسيقي تابع للإذاعة استقدمت الدولة عمر البطش من حلب ليدرس في المعهد المذكور فنون السماح والموشحات العربية الأصيلة التي أصبحت من اختصاصه التام الذي لا يجاريه فيه أحد .
في الحقيقة إن الفترة التي قضاها عمر مدرسا بالمعهد الموسيقي بدمشق كانت أخصب فترات حياته وقمة نتاجه الفني لقد كان ملحنا مكثرا ومبدعا في ذات الوقت ومن معجزات هذا الفنان أنه يحفظ ما يزيد على ألف موشح كما كان يحفظ سائر النغمات العربية والموازيين الإيقاعية مع سيرها السماح وذلك على الرغم من ضعف ثقافته العامة كان عالما بفنون الموسيقى وبفنون تدوينها النوتة فهو نسيج فني رائع لا يجارى في ميدانه الموسيقي الذي اتسم بطابعه
وعندما تأسست إذاعة حلب اللاسلكية في 14 كانون الأول 1949 انتقل إليها مدربا لفرقتها الغنائية الكورس وفي هذه المرحلة أوجد طلابا له وعاد بجهده لهذا اللون الغنائي من الموشح إلى الظهور من جديد على المسرح الفني .
وفي 11 كانون الأول ديسمبر 1950 نعت الإذاعة السورية إلى العالم العربي خبر وفاة هذا الفنان الكبير الذي استطاع أن يحمل تراثنا الموسيقي الأندلسي العربي بأمانة وإخلاص وإذا وجدنا اليوم انتشارا لهذا اللون الغنائي في عالمنا العربي فذلك بجهد هذا الفنان الذي كان طيلة حياته يجاهد في ميدانه للوصول إلى هذه النتيجة الطيبة .
السلام عليكم
عمر بطش علم من أعلام الموسيقا العربية
وركن من أركانها وأضم صوتي للأخ علاء طلباً في أي تسجيل صوتي لهذا العملاق الأصيل ويا حبذا تعريف الجيل الصاعد من الشباب بمثل هؤلاء الرجال حفاظاً على تراثنا أو ما تبقى منه إن صح التعبير .
رحم الله هذا الوشّاح الكبير الذي أعتبره سيد درويش سوريا , ألحانه لا يعلى عليها هل كان له تجربة في الغناء