في عالم الطرب والمطربين ممن يستحقون أن يلقبوا بالمطربين هناك أنواع كثيرة من طرق تصنيف الأصوات ، فبالإضافة إلى طرق التصنيف العلمية المتعارف عليها كتعريف الأصوات طبقا لطبقاتها (كالسوبرانو و الألتو و الباص ) أو تصنيفها حسب قياس مساحتها أو حسب استطاعتها أداء المقامات أو العرب الصوتية المعقدة أو الصبة أو حسب نظافة هذه العرب ، فبعض الأصوات تتميز بمساحتها الواسعة وإمكانها غناء درجات صوتية كثيرة كصوت المطرب الكبير “وديع الصافي” و كبعض أصوات بعض قارئي القرآن العظام .
و بعض الأصوات تتميز بنظافة العرب وإمكانية غناء ما يعجز عنه الكثيرون من ناحية الأداء كصوت صباح فخري أو سعاد محمد أو أم كلثوم.
ولكن و بالإضافة لما سبق هناك تقسيمات أخرى متعارف عليها بيننا نحن المشتغلين في مجال الموسيقى وبعضها ليس علميا ولكننا نتشربه بمرور الأيام ونعلمه بعضنا للبعض, وأحيانا عن طريق كثر السماع،
فهذا صوت دافئ وهذا صوت فيه شجن، وصوت مخملي ( في إشارة للنعومة والملمس الدافئ على الأذن ) وذاك صوت من الرأس .
هذه التقسيمات بالطبع ليست علمية ولكنها تحمل مداليل عميقة لدينا ونحن نستعملها بطريقة يومية تقريباً في توصيفنا لصوت ما … أو مطرب ما .
و عندما نريد أن نتكلم عن محمد قنديل فهناك طريقة تقسيم أخرى بعيدة كل البعد عن كل ما سبق وقلناه وهي تعريف الصوت اعتمادا على مدى فرادته وتميزه بنكهة خاصة لا توجد عند غيره من الأصوات .وغالبا ما يكون سبب هذا التميز ربانيا لا علاقة للتربية أو التعلم فيه … سببه حنجرة من نوع راق خاص .
هذه النوعية من الأصوات أو الحناجر تستطيع تمييز صاحبها مباشرة من أول حرف يصدر عنها .فهي ذات نكهة خاصة مميزة بل و شديدة الخصوصية ( خصوصية ربانية وليست خصوصية في فنون الأداء ) . وخير مثال على هذه الأصوات هو صوت أسمهان أو صوت مصطفى إسماعيل أو مطربنا الرائع الذي نتكلم عنه في هذا المقال المطرب الجميل …. محمد قنديل .
ولعل الدليل على صحة ما نقوله أنه أحيانا قد يخدعك مطرب ما فتحس أنك تستمع لمطرب آخر … فأحيانا قد تستمع لصوت فاتن حناوي وللحظة يخّيل إليك انك تستمع للعظيمة أم كلثوم ( نظرا للتشابه الشديد في طبيعة الصوت ) ولكن بالتأكيد لن يخدعك أي أحد يحاول أن يغني أو يقلد أسمهان مهما جهد في إتقان التقليد.
محمد قنديل صوت عبقري متفرد شديد الخصوصية ، فمن أول آهة أو علامة موسيقية تصدرها حنجرته تعرفه وتتيقن مباشرة أنك تستمع إلى محمد قنديل. وكان صوته هو بصمة تعريفه للناس .
صوت لا يشبهه أي صوت ولا يستطيع تقليده مطرب آخر . وباختصار نقول لا أحد يغني مثل محمد قنديل .
ولعل هذه الخصوصية بالإضافة إلى الملمس المخملي و جمال الصوت والخامة والإحساس الخطير وحب الفن والتفاني و القدرة على أداء المقامات الشرقية بسهولة ويسر والجواب الرائع المريح والقرار الرصين المطرب ، بالإضافة إلى العلم الذي امتلكه محمد قنديل ، جعلته مطربا نادرا صعب التكرار ، ولذلك فلن تستطيع مهما حاولت إلا أن تسلم أذنيك وحواسك وتصيخ السمع إلى هذا الصوت الخلاب الكامل تقريباً .
ولد قنديل محمد حسن وهو الاسم الحقيقي للمطرب محمد قنديل في شارع سعيد باشا بحي شبرا القاهري في 11-مارس – 1926 لعائلة من عشاق الموسيقى … أبوه كان موسيقيا من هواة العزف على العود والقانون ووالدته التي كانت من السميعة المميزين تعشق الغناء وزوج عمته الموسيقار المطرب عبد اللطيف عمر الذي كان له حلقة فنية أسبوعية يستضيف فيها أشهر أرباب الفن في ذاك الزمان من أمثال الموسيقار محمد عبد الوهاب وغيره من العظماء .
كان محمد ذكيا وموهوبا، وبذكائه الفطري أدرك فورا حجم موهبته وما لديه من مميزات، وبذكائه أيضا أدرك أن هذه الموهبة تحتاج إلى الصقل بالتعلم…فصمم على تعلم الموسيقى منذ طفولته وهذا ما فعله فيما بعد.
ولعل هذا الذكاء هو ما جعله يصر على التميز في اختيار أغانيه وينتهج طرقا وخطوطا جديدة ، بل وجعلته يجرب كل الأنواع الغنائية ويلون مواضيع أغنياته تلوينا شديدا لتظهر تركة هذا الفنان كلوحة موزاييك فائقة الجمال .
وهذا ما جعله يرحل عن دنيانا تاركا إرثا فنيا شديد التنوع والغنى .
وقد طور محمد قنديل طريقة غناءه لتعتمد على بساطة الأداء .
ومن كل المعطيات السابقة الذكر أستطيع أن أعلنها جازما أن محمد قنديل هو صاحب مدرسة غنائية خاصة وأنه أحد أفضل الأصوات الرجالية في العالم العربي.
بدأ محمد في تعلم أصول الموسيقى في معهد إبراهيم شفيق بعد أن أوصى به محمد عبد الوهاب، و سرعان ما بز زملاءه وتفوق عليهم بقدرته على سرعة التعلم واستيعاب المعلومات نتيجة عشقه المبكر للفن.. وتخرج منه .
( والواقع أنني لا املك تاريخا دقيقا لانتسابه للمعهد وتخرجه منه ) .
نعم كان محمد مثقفاً فنياً وفنانا متعلماً.
و أثناء دراسته في المعهد الموسيقي اختارته أم كلثوم هو ومجموعة طلاب المعهد ليشاركها الغناء في تابلوه القطن الذي غنته في فيلمها “عايدة” . قالت بعدها أن محمد هو أجمل صوت أنجبته مصر .
بدأ محمد قنديل مشواره الفني عام 1942 في غناء الأفراح والحفلات الشعبية ولمع بسرعة كبيرة فأضحى معروفا ومشهورا في الأوساط الفنية.
سجل محمد أولى أغنياته للإذاعة عام 1946 حيث سجل أغنية “يا ميت لطافة يا تمر حنة ” فاكتشف الناس جمال هذا الصوت وتوالت الأعمال الفنية وكثرت فسجل عام 1948 أغنيتان جميلتان للموسيقى كمال الطويل وهما “بين شطين وميه” و “يا رايحين الغورية” بعدها كرر كمال الطويل ما قالته سابقا أم كلثوم بأن محمد قنديل هو أجمل صوت أنجبته مصر .
دائما كان محمد سباقا ونشيطا وهذا ما جعله أول من يدرك قيمة ثورة يوليو وأول من يشعر أنها تحتاج للدعم من الفن والفنانين فأسرع للغناء لهذه الثورة العظيمة فسجل للإذاعة عام 1952 أغنية “ع الدوار” وبذلك يعد محمد أول من غنى للثورة المصرية إيمانا بها وترحيبا .
كما كان من أوائل من غنى للوحدة المصرية السورية عام 1958 “وحدة ما يغلبها غلاب” ومن أوائل من غنى للثورة الجزائرية “أخوانا في الجزائر محتاجين سلاح”
قدم عشرات البرامج الإذاعية والصور الغنائية التي انتشرت في تلك الأيام .
لاحقه منتجو السينما بعد أن رأوا أن جمال هذا الصوت قد يكون الدجاجة التي قد تبيض ذهبا وسعوا إلى استغلال هذا الصوت في السينما ولم يرفض محمد واشترك في سبعة أفلام هي :
“عبيد المال” “عرق جبيني” “عزيزة” “شاطئ الأسرار” “صراع في النيل” “رجل في حياتي” “عندما نحب” وقدم الأخير عام 1967 وبعدها توقف فجأة عن المشاركة في السينما وقد علل توقفه فيما بعد بأن الغناء هو مهنته وأن التمثيل كان مجرد محطة عابرة في حياته كان دائما يقول : هربت من السينما حتى لا أفقد صفتي كمطرب .
ولعل محمد أن ظهوره الفني في السينما لا قيمة له إلا من خلال صوته وخاصة أن ظهوره السينمائي لم يكن مدروسا كممثل ولم يكن ذا بنية درامية مساعدة في تطور أحداث الحدوتة بل اقتصر على ظهوره كمطرب ( لإضافة نكهة غنائية شعبية على الفيلم ) فقاده ذكاءه إلى اعتزال الظهور طوعيا . وأنا أعتقد أن قراره كان حكيما وبعيد نظر .
يعتبر محمد قنديل أكثر مطرب غنى أغان خاصة به في تاريخ الغناء العربي فعدد أغانيه كما تدعي بعض المصادر العليمة ينوف عن ألفي أغنية ما بين غناء عاطفي و طربي ووطني وصور إذاعية وأغان شعبية وأغان سينمائية.
وهذا الرقم الكبير استوقفني كثيرا وترددت في كتابته وخاصة أنني حصيلتي السمعية والمعرفية لأغاني محمد قنديل لا تتجاوز الـ 300 أغنية فقط ولكن العديد ممن عملوا مع محمد قنديل أكدوا الرقم لي . وخاصة انه كان نشيط جدا في تسجيل الأغاني للإذاعة المصرية ولجميع صنوف الملحنين .
ولازلت حتى اليوم اكتشف كل فترة أغنية لمحمد قنديل لم أكن قد سمعتها من قبل .
والغريب في الأمر هو العدد الكبير للأغاني التي اشتهرت ( بغض النظر عن تقييمنا الفني لها ) .
من أجمل أغاني محمد قنديل : سماح – جميل وأسمر – سحب رمشه ورد الباب – أبو سمرة السكرة – انشالله مااعدمك – مالي بيه – يارايحين الغورية – أهل إسكندرية – تلات سلامات – يا حلو صبح – بين شطين وميه زي البحر غرامك وغيرها .
لحن لمحمد معظم عمالقة التلحين تقريبا … فالجميع عرف ماذا يعني أن يغني له صوت كصوت محمد قنديل فتسابقوا على إعطاءه الألحان ولم ينتظروا المقابل المادي .أمثال زكريا أحمد – محمود الشريف – كمال الطويل – محمد الموجي – عبد العظيم عبد الحق – سيد مكاوي – عبد العظيم محمد – أحمد صدقي – بليغ حمدي – عزت الجاهلي – احمد عبد القادر – حسن جنيد – علي فراج – محمد الشاطبي – محمد صلاح الدين – فؤاد حلمي وغيرهم .
كما لحن لنفسه ولشريفة فاضل التي تبنى صوتها لفترة من الزمن .
كتب لمحمد قنديل معظم شعراء الأغنية المصريين الكبار أمثال فؤاد حداد – احمد رامي – صلاح جاهين – عبد الرحيم منصور – أمير الشعراء أحمد شوقي – عبد الرحمن الأبنودي – مرسي جميل عزيز -عبد الوهاب محمد – صلاح فايز – عبد الفتاح مصطفى – محمد علي احمد – بخيت بيومي – وغيرهم .
كان محمد يملك حسا بلديا شعبيا رائعا فكان يختار نصوص أغانيه لتكون قريبة من الشعب الأصيل ابن البلد ( طبعا دون الإغراق في الشعبية ) … ولذلك أضحى محمد رمزا لابن البلد الجميل ولذلك فقد أحب المصريون ابن جلدتهم وبلدهم وبيئتهم محمد قنديل.
كان آخر لقاء له مع الجمهور في الليلة المحمدية عام 1999 وبعدها اقتصر على تسجيلات الأستوديو وفى نفس العام سجل للإذاعة قصيدة “النيل مهرجان” وآخرها كان تسجيل مقدمة ونهاية مسلسل الأصدقاء الذي عرض برمضان عام 2003 .
حياته الشخصية :
كان محمد قنديل شخصا زاهداً مهذبا شديد التواضع عصاميا مكافحا فرفض حياة النجومية وسهرات الفنانين والتزم منزله لا يخرج منه إلا للعمل وتهذيبه الشديد جعله لا يدخل في معارك فنية مع احد من أقرانه فكان محبوبا ومحترما من الجميع ، لذلك كنت تراه في جميع حفلات الإذاعة والحفلات خارج مصر … لدرجة أن عبد الحليم حافظ وقد كان مشرفا فنيا على الحفلات الفنية المغربية وغيرها بعد أن كلفه الملك المغربي بهذا الأمر ، يصر على أن يكون محمد قنديل نجما في كل الحفلات . ولا تكاد تخلو حفلة من حفلات الإذاعة أو التلفزيون المصري من وجوده فيها على الرغم من قلة علاقاته الاجتماعية وع الرغم من عدم تسوله الحفلات …. بعكس الطرب في زماننا الحالي إذ تحكمه العلاقات الاجتماعية أو التقرب للمسؤول الفلاني أو المتعهد الفلاني أو الأمير الفلاني وتسول الحفلات وغيرها من الأمور التي يقوم بها الكثير من مغني هذه الأيام لضمان استمرارية عملهم .
تزوج محمد قنديل مرتين الأولى من الفنانة رجاء صاحبة الملهى الليلي ( كيت كات ) بعد أن اشترط عليها اعتزال العمل الفني وإغلاق ملهاها … وفي المرة الثانية تزوج من سيدة منزل وتوفيت قبله بعدة سنوات و لم ينجب في المرتين.
وبعد وفاة زوجته الثانية تغيرت حالته النفسية فبدأ ينفعل كثيرا وبدأت نوبات السكر والضغط تهاجم جسده،وهو الذي لم يشكو من أي مرض في حياته … وبدأت نوبات السكر تصيبه أحيانا بالإغماء ولكنه وبالرغم من مشاكله الصحية كان يعمل ويعمل ويحضر لألبومات وأغاني جديدة كما واظب على أداء التدريبات الصوتية اليومية أملا في تحسن حالته الصحية ، إلى أن وقع أرضاً جراء نوبة سكر فأصيب بكسر في ساقه ونقل على الفور إلى مستشفى “الأنجلو” حيث أجريت له جراحة لتركيب دعامة للعظم وأقام في المستشفى لمدة شهر ونصف تقريبا وأثناء ذلك باغته ضعف في عضلة القلب وارتباك في ضغط الدم … فاستسلم للموت.
توفي رحمه الله يوم الثلاثاء في السادس من أيلول من عام 2004 ، و أوصى بالمحافظة على النوط الموسيقية لأغنياته المكتوبة بخطوط ملحنيها وأوصى بالمحافظة على اسطواناته .
عشق الكلمة المعبرة والاحساس الصادق على اللحن المؤثرمع الاداءالمتميز والمعبر
رحم الله الرائع محمد قنديل الذي اغنى محبيه والعرب الاخرين بفن نبيل ملتزم صادق يبعث البهجه والمتعه في النفوس في زمن ضاعت فيه احيانا الان الكلمه واللحن والصوت وبارك الله في كاتب المقال الذي نورنا بمعرفة احد الرموز مما كنا نجهله وشكرا
محمد قنديل فنان صادق ومخلص في اداؤه لفن العناء والطرب فأطربنا بصوته الكرستالي النقي المبهر في ادائه الذي لايعــــــــوض ابدا ولكن نأمل في ان تنجب بلادنا امثاله
رحم الله محمد قندبل ورحم الله فنه الجميل وايضا ياخسارة علي المتلقي الحالي الغير موجود
ولكم تحياتي عاشق ومستمع للطرب الأصيل
لو فضلنا نتكلم من هنا الى ما شاء الله لن ولم نوفى هذا الفنان حقه لانه لم ياخذ حقه كمطرب اصيل فى الدنيا ونتمنى من الله ان يوفيه برحمته فى الاخره والله يرحم الجميع
في حياة كل انسان محطات لاتنسي ومحمد قنديل من اهم المحطات التي اثرت في حياتي فليرحم الله محمد قنديل رجل الزمن الجميل…
يا اخى انت تغوص فى بحور الغناء والموسيقى
وتخرج لنا لآلىء جميله.
ومحمد قنديل لؤلؤة جميلة وفريده ومتفرد.
شكرا” لك
فارس الزمن الجميل ما اجمل صوته .ادعو الله ان يرحمه
رحم الله مطربنا الرائع محمد قنديل الذي كما قلت لم يتكرر صوت مثل صوته الذي يخرج من قلبه مباشرة وحرارة نابعة عن احساس فني أخاذ .
ولكن بالنسبة لأغانيه هل هناك طريقة أستطيع الحصول عليها ، هل هناك متجر بيع أشرطة كاسيت بحلب مازال يحتفظ بجزء من هذا التراث ؟؟؟
وبكل الاحوال أشكرك من كل قلبي سيد خالد على اهتمامك بالفن الأصيل وأثمن بشدة موقعك المتميز انا دائما من المتابعين له وسأظل كذلك ان شاء الله رب العالمين
مع تحياتي
رحم الله هذا الرجل رحمة واسعة من عنده لانه فعلا من اجمل الاصوات الغنائية من اول مسمعنا الطرب