قد يكون المثل القائل أن عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة أحد تلك الأمثلة العربية أو ربما غير العربية ( لست متأكداً ) التي أكرهها كرهاً شديدا ،فهو برأيي أحد تلك الأمثلة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من تخلف وضعف .وللمثل بعد تربوي ونفسي سيء جدا فهو يحض على القناعة بما لديك لدرجة الاستكانة .
هذا المثل يؤكد مقولة قد يكون ظاهرها الحكمة وباطنها تعليمنا القناعة والرضا بما لدينا ( ولو كان ضئيلا جدا )وذلك بتأكيد أن ما هو لديك هو بالتأكيد خير مما قد يكون من المستحيل الحصول عليه … ( و هذا الطرح زرعه و كرسه في رؤوسنا كل الحكام المستبدين السابقين والحاليين).
ففي هذه المقولة دعوة خطيرة للمحدودية وللتقوقع ونوع من أنواع القناعة السلبية ، تلك القناعة التي تلغي حس المغامرة أو الحس الفطري لدى الإنسان السوي ومنذ بدء الخليقة .. وهو حب التطلع وحب اكتشاف الجديد أو حب المغامرة و امتطاء المخاطر من اجل الجديد ..
وفي هذه المقولة تهمش دور الحلم في ارتقاء الإنسان …. ووصوله إلى ما وصل إليه …
أليس حلم الإنسان بالصعود إلى الفضاء ساهم في أن تطأ قدم البشر القمر … وساهم في اكتشاف المجرات والكواكب .
لو قنع الإنسان بما لديه … لما اكتشف النار ولظل يأكل صيده نيئا شأنه شأن البقية من كل من عمر الأرض من أنواع أخرى .
دعونا لا نحمل الحديث معان لم أردها أصلا ودعونا نبتعد عن النزعة الديماغوجية التي طبعته وشدتني في اتجاه آخر … ونعود إلى المغزى الحقيقي لحديثي هذا …
لهذا المثل جانب مدمر آخر … وهو الجانب المنافي للجمال الطبيعي و أصالة البيئة ، ذلك أن عصفوراً يقف على شجرة يغرد ويصدح بعذب الألحان ويملأ الدنيا جمالا وسرورا لهو بالتأكيد أفضل من مئة عصفور أمسكت به يد إنسان مخرب أو فذبحته أو حبسته في قفص هو نفسه ذلك الإنسان الذي خرب الطبيعة على مر العصور ( بالحجة الدائمة حجة عمارة الأرض ).
فبحجة عمارة الأرض صار حجم الغابات أقل من واحد على ثلاثون وخلال ألفي عام …بعد أن قطعت أشجارها دون حتى أن نفكر بالتعويض وأحرقت البقية الباقية منها .
وبنفس الحجة ثقبنا الأوزون .
وبنفس الحجة اجبرنا الانقراض كثير من أنواع من الحيوانات وآلاف الأنواع من الطيور وعشرات الآلاف من الحشرات المفيدة وغير المفيدة … ( على فكرة أنا لا اعتقد أن هناك كائن حي ضار … حتى الإنسان ) انقرضت إما بالقتل … نعم القتل … فأنا أعتبر الصيد قتلا …أو انقرضت بأن حبسناها في أقفاص إما في بيوتنا أو في حدائق الحيوان المنتشرة انتشارا واسعا .
وبحجة عمارة الأرض ردمنا البحيرات وقصصنا هامات الجبال وأوقفنا جريان الكثير من شرايين المياه ( الأنهار ) ورصفنا الشواطئ وهجنّا الكثير من الأنواع ودمرنا الطبيعة بالحروب بحروبنا مع بعضنا وبحروبنا مع الأنواع الباقية .
وبحجة عمارة الأرض لعبنا بالجينات واستخدمنا الهرمونات … وضربنا بعرض الحائط بكل أنواع الأخلاق .
تعالوا معي أخوتي …. كي نطلق كل العصافير …. تعالوا معي لنترك الحياة كما هي أفضل …. تعالوا معي لنجمل الدنيا ..ليس بتدمير الجمال … بل بترك الجمال كما هو …. ومحاولة إضافة جمال جديد …
أليست وظيفتنا أن نعمر الأرض …تعالوا نعمرها حقا …