أكاد أجزم أن معظم المتعلمين قرأ المسرحية الأشهر تاجر البندقية لمبدعها الكبير شكسبير ،أو على الأقل سمع بها ويملك فكرة واضحة عن أحداثها .
تعود شعبية أو بالأصح شهرة هذه المسرحية لأمورعدة ، أولها أنها كانت ضمن مقررات المناهج الدراسية في معظم مدارس الدول العربية ، والأمر الآخر الذي ساهم بانتشار هذه المسرحية هي أنها كانت إحدى أشد المسرحيات إثارة للغط حيث يتناول كاتبها شخصية المرابي الجشع الذي لا يتردد على القيام بأي عمل ومهما بلغت دناءته وقسوته مقابل مصلحته المادية فمقابل المال لا بأس بالجريمة . ولأن الشرير فيها يهودي فقد أثارت جدلا واسعا وانتم تعرفون لماذا.
شايلوك مراب يهودي يقرض شخصا ما مبلغا من المال ولأجل معين وبالمقابل يقبض ثمن إقراضه أضعاف مضاعفة من المال بشرط واحد و هو انه في حال عجز المدين عن الدفع في الوقت المحدد فإنه ( اي المرابي ) سيقبض الدين رطلا من اللحم يقتطعه من المكان الذي يختاره من جسد المدين المسكين .
ولحاجة المسكين الملحة للمال فإنه يقبل هذا الشرط اللاإنساني أساسا.
ويحين اجل الدفع والمدين المسكين لا يملك المال لإعادته إلى المرابي الذي يسارع بسكينه لأخذ الثمن المتفق عليه … ويرفض المدين و يتجه لرفع الأمر للقاضي …
وطبعا يبدع شكسبير في تصوير لحظة الاستحقاق ويبدع أكثر عندما تبدع شخصية القاضي وتبتدع ذاك الحل العبقري الذي به أفنقذ ذاك المسكين ، لقد جعل شكسبير القاضي حكيما ورحيما وعادلا بحيث يقف في وجه الظلم والجشع موقفا قويا وذكيا بآن . لقد اشترط القاضي أن يقتطع شايلوك حقه فقط من جسد ضحيته ولكن دون إراقة أي نقطة دم … فالدم ليس من حقه حسب نص الاتفاق. وأسقط في يد شايلوك .
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أتى شايلوك آخر ليقبض ثمن تمويله وتأجيجه الحرب أتى ليقتطع جزء من جسد أمة عربية مسكينة منهكة .
وبالرغم من أن من سيعطي هذا الجزء لا يملكه أساسا … لكنه يعطيه إياه ..
ويهرع المظلوم إلى القاضي ( هيئة الأمم المتحدة ) ويفعل القاضي نفس فعل قاضي شكسبير فيقر الاقتطاع و لكنه لا يكون ذكيا أو شريفا أو عادلا ليشترط عدم إراقة نقطة دم واحدة .
فتسيل أنهار من الدم ، ورغم مرور عشرات السنين لم تلتئم أبدا الجراح الذي سببها اقتطاع ذاك الجزء بل استمر النزف .
هل كان القاضي يدري آنذاك ، أن كل هذه الدماء ستسيل وأنها لن تتوقف ؟
أم أن قاضي شكسبير كان أذكى وأبعد نظرا ؟