فترة طرحت سؤالا في عدة أمكنة عن أسباب تخلفنا وكالعادة ونتيجة اختلاف درجات الثقافة بين من طرحت عليهم السؤال أو لأسباب أخرى كثيرة لا مجال لذكرها كلها اختلفت الآراء وتضاربت بل حتى وصلت إلى درجة الدوران في حلقة مفرغة وبلغ الاختلاف في الآراء حد التنازع أحيانا أخرى .
ولعل أشد أسباب وصول الأمر حد النزاع، هو شعور طاغ بالمرارة من الحالة التي وصلنا إليها من ذل وانحطاط وفي كل المجالات بعد ريادة و تراث حضاري هائل المنجزات سواء كان عربي أو شرق أوسطي موغل في القدم .فأجدادنا من أبناء سوريا الطبيعية ومنذ آلاف السنين وحتى العصر العباسي ساهموا في تحضر ورقي هذا العالم. وهاهم أحفادهم يغوصون في بحر من التردي والوهن غير مسبوق.
و لعل كثرة عدد الإجابات جعلت الحوار يتشتت نوعا ما فمنهم من خلط النتيجة بالمسبب كأحدهم الذي أكد أن أسباب تخلفنا هو هجرة الأدمغة لأسباب إما سياسية ( قهر – استبداد – طائفية ) أو لأسباب اقتصادية كالفقر مثلا
وأنا أعتقد بخطأ هذا التشخيص إذ أن هجرة الأدمغة هي ناتج للتخلف وليس سببا فالتقدم والرقي يعني وفرة بالمال وهامش للحرية كبير جدا فلماذا الهجرة أصلا ؟
عندما كانت بغداد منارة للعلم والأدب والمال كان فيها الشعراء والعلماء والأطباء والمهندسين والموسيقيين والمغنين من كل لطوائف والملل.
ألا يحق لنا أن نتسائل حتى ولو سراً ما لذي أصابنا …
هناك من تناسى المادة الذي يدور حولها جوهر الموضوع وهي أسباب تخلفنا وتفرغ للعكس فبدأ بامتداح وتعليل تقدم الغرب وكأنه يثبت ما يريده بإثبات النقيض كأن يقول :
الغرب يهتم بالعلم والتعليم والفكر والثقافة ونحن لا … مما يجعلهم يتقدمون عنا وبالتالي نتخلف نحن كنتيجة حتمية لتحركهم إلى الأمام وثباتنا ، ولعل هذه النظرة فيها الكثير من التفاؤل ، أي أننا لا نتأخر بالمطلق بل نحن نعاني ثباتا والأمر نسبي .
الغرب يعمل بروح الفريق ويشجع المبادرة الفردية أما نحن فنعمل بروح الفرد ونخنق المبادرات الفردية ؟
الغرب يبدأ بالنظرية ومن ثم التجربة والتطبيق مما يجعلهم يحصلون على نتائج ، أما نحن فنطلق النظريات وندور فيها دون أدنى محاولة للخروج منها إلى التطبيق
الغرب عاقل مشغول بالحاضر والمستقبل أما نحن فمنكبين على اجترار الماضي فتوحاتنا وبطولتنا .
ولعل الجواب الأكثر ترددا وخطورة هي إرجاع التخلف إلى أمر وحيد : وهو البعد عن الدين ( كطقس ) كأن يقال مثلاً :
أعتقد أن السبب الأوحد لتخلفنا أننا بعدنا كل البعد عن ديننا الحنيف في تفكيرنا وحياتنا .
وقد قال الجملة السابقة أكثر من شخص وبإيمان عميق جدا … ولما حاولت أن أدخل إلى دافعهم للوصول إلى مثل هذه النتيجة … اكتشفت أنها مجرد ربط سطحي مابين انتشار الملحمية التي رافقت انتشار الإسلام جغرافياً وبين اعتقادهم أنهم نسبيا أقل تدينا أو حتى قداسة ممن سبقوهم من العصور الإسلامية الأولى .
وكأن الحضارة تعريفاً هي التقدم في عمران الأرض أو توسع الدولة جغرافيا أو علميا أو حتى نهوض فكري من نوع ما .
لكن بعض من قال بالنظرية الدينية تقدم بمطروحات أكثر علمية وأكثر إقناعا حين أرجع أسباب تخلفنا إلى الفصل مابين العروبة والإسلام مما جعل مسيرة النهوض تتباطأ شيئا فشيئا وتؤدي إلى صراع استنزف الموارد البشرية والاقتصادية للأمة ، وهي نظرية وإن كنت لا أراها السبب المباشر للتخلف عن ركب الحضارة إلا إنها للحق نظرية تستدعي التفكير وقابلة لتطويرها و اعتبارها كجزء فرعي من أسباب تخلفنا.
بعضهم أعطى أسباب سطحية ..وهي كلها تصلح كنتائج للتخلف وليس كمسببات مثل التفرق والفرقة و مثل انعدام الأخلاق ومثل التكاثر العددي على حساب الكم وعدم احترام الوقت إلى أخره …
وبعضهم كان سوداويا لدرجة أنكر أي تقدم تاريخي من الأساس ، فقد قال أحدهم بالحرف :
أحيانا أشك في أن العرب قادرين على التقدم ، فالمقومات غير موجودة أصلا، وعندما سألته عن الثوابت التاريخية أعقب قائلاً : إن فترات ازدهار الحركة الفكرية عبر تاريخ العرب كان يأتي دوما بعد التقاء مع الغرب…
في القرن التاسع والعاشر (و هو التاريخ الذي نتبجح به عادة) نشطت حركة فكرية غير مسبوقة… والسبب : ترجمة الفكر الفلسفي اليوناني…
الثورة الثقافية العربية التي حدثت في منتصف القرن التاسع عشر كانت مستلهمة ولصيقة بعصر الأنوار و أفكاره….ربما يلزمنا غسيل دماغ لنتخلص من وهم العروبة هذا.
ونقول أين إذا الحضارات التي قامت في المنطقة … قبل هذا التاريخ كما أن تمازج الثقافات هي نتيجة طبيعية فرضها الاحتكاك الثقافي الجغرافي . وبالنهاية الحضارة ليست فقط نتاجا فكريا مجردا بل هي أمور أخرى كثيرة وقد وقع هذا الصديق باعتقاده أن الحضارة هي مجرد نهوض فكري فقط .
هناك من ارجع الأمر إلى الاستعمار الحديث وأطماعه بدءا من الاستعمار العثماني الذي أفقر البلاد العربية كلها وأجبر العلماء والفنانين والأدباء على الهجرة إلى اسطنبول ، وحاول أن يقتل اللغة العربية بحملة شرسة لتتريك شعوب المنطقة وحتى استعمار الأوروبيين لنا في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى ، حيث استنزفت الطاقات الاقتصادية والبشرية للبلدان العربية استنزافا كاملا.
وهناك من عاد إلى بداية وهن الدولة العباسية وانقسام الدولة الكبرى إلى دول أصغر فأصغر معللين السبب إلى فساد الحكام وأطماعهم وهذا الرأي و ما أميل أنا إليه، وهذا ما عبرت عنه تماما حينما قلت :
سبب تأخرنا هو الديكتاتورية والاستبداد وحكم الفرد الذي يجعل من نفسه إله يستأثر بكل شيء مما يؤدي إلى انهيار بكل شيء.
سيقول قائل لكن البلاد العربية أو لنقل الأمة الإسلامية كانت أشد ما تكون تقدما وعمرانا في عصر الأمويين العباسين وهي أنظمة دكتاتورية المسيطر فيها حكم الفرد .
وأقول نعم الكلام صحيح بداية ولكن نتائجه بانت بعد ذلك حينما بدأت الشعوب تدرك أنها تغتال جوعا بينما يكنز الحكام من أموالهم .
وقد أدت الفتاوى بحرمة الخروج على ولي الأمر حتى ولو كان ظالما ، بالإضافة إلى الخوف من السطوة والانتقام بالشعوب العربية إلى الخنوع والتسليم مما بالنتيجة أدى إلى تخلف وانحطاط .
وأدى هذا الخنوع وعدم التصدي والدوران في عبثية الجهل والانشغال بالبحث عن لقمة العيش إلى وصول طبقات من المستغلين إلى الحكم ثبتوا وجودهم واستمرارهم في الحكم بإيجاد أجهزة أمنية وعسكرية استنزفت موارد البلاد من خلال الرشوة بينما انشغل الحاكم بنهب ثروات البلاد وتبديدها سواء بتهريبها للخارج أو بتبديدها في تثبت أركان حكمه.
ولعل اخطر ما قامت به هذه الأنظمة الاستبدادية هو تغييب المجتمع المدني وعسكرته وتحويل الشعب إلى مجرد مزارع تسلطية فيها إنسان مفدجّن منزوع الكرامة مدمرة روح المواطنة فيه مما يجعله لا يهتم لا بالثقافة ولا بالعلم ولا بأي شيء سوى تفكيره بكيفية التحايل على القانون ليصبح فهلوياً قادرا على تخليص أموره وإطعام أولاده.
هذا الإنسان المفغيب غدا بذلك أرخص سلعة بنظر الحكام ولذلك وكرد فعل طبيعي أصبح الانتماء والوطنية مغيبة في فكر المواطن مما أدى إلى انتشار الفساد من قمة رأس السلطة إلى أصغر شرطي مرور .
طبعا لن نتكلم عن فساد أساتذة المدارس أو الجامعات وانتشار الرشوة بينهم أو انتشار اللامبالاة نتيجة حتمية لأن المعلم الشريف يعمل كبائع متجول بعد فترة دوامه .
و للاستبداد استعداد لقتل كل إبداع يمكن له أن يتطور إلى مطالبة بجزء من الحرية . مما يدفع بالكثيرين إلى الهجرة يقال أن العالم العربي فقد في الثلاث سنوات الأولى من سبعينيات القرن الماضي حوالي 500 ألف متخصص متعلم .
هذا ما أدى إلى غياب البحث العلمي ولن نقول أن العلم أحد مقومات الحضارة الأربعة ألا وهي :
الموارد الاقتصادية، الحرية السياسية ، الأخلاق ، ومتابعة العلوم والفنون والآداب.
ما الحل .؟
الحل واضح مجرد كلمة واحدة ….. الديمقراطية !.
نعم الديمقراطية …..الديمقراطية التي تجعل مبدأ محاسبة الحاكم ممكنة !.
دعوني أقول حكمة قرأتها من مكان ما : حاكم يخاف من الرعية خير من حاكم تخافه الرعية .
الــديــمـقـراطـيــه…..!!!
انا ارى ان من اسباب تخلفنا قلة الوعي ..!