إن الغناء والطرب غريزة في الإنسان منذ القدم ، ويقال أن الإنسان القديم غنى قبل أن يتكلم ، فقد كانت الموسيقى هي الطريقة الوحيدة التي يعبر بها عن أفراحه وأحزانه وآماله ، فالموسيقى ظاهرة اجتماعية إنسانية تعمل على تهذيب الذوق العام والأخلاق الحميدة .
ولقد عرف الإنسان الموسيقى بفطرته ، حيث كان يقلد ما يسمعه حوله من أصوات ، وكان يفكر ويبتكر حتى اخترع الآلة الموسيقية ، بالإضافة إلى استخدامه لصوته ليصاحب الآلة التي صنعها بيده ، ليعبر بها عن مختلف أحاسيسه من فرح وحزن ….. خوف واطمئنان ……
وقصة الموسيقى العربية قديمة جدا ، حيث ارتبطت لدى العرب القدامى بالغناء والشعر ، فقد بدءوا غنائهم بإنشاد الشعر حداء وتغبيراً ونوحاً وغيرها ، وهذه هي الأجناس التي استعملها العرب القدامى في موسيقاهم
ولقد انتشرت أنواعاً عدة من الغناء قديماً ، أو فيما نسميه بمفهومنا الحالي أساليب الغناء …….. نذكر منها :
1 . الحداء :-
وهو غناء يسير على إيقاع سير الإبل ، ويحدو على سيره الحادي .
ولقد ذكر في كتاب ” الأغاني ” أن ( مضر بن نزار بن معد ) سقط مرة عن بعيره أثناء إحدى أسفاره ، فانكسرت يداه فصاح متألماً – يا يداه يا يداه – ولقد كان صوته من أحسن الأصوات في زمانه ، فطربت لذلك الصوت الإبل وطاب لها المسير ، فاتخذه العرب حداء ( برجز الشعر ) وجعلوا كلامه أول الحداء …………….. يا هاديا يا هاديا …….. ويا يداه ويا يداه …
والحداء ليس بغناء بالنسبة لهــذا العصر، ولكنه كان أساساً له ، وعند تحليلنا لهذا البيت نــجد أن ” يا يداه يا يداه ” تأتى على وزن ( فاعلات فاعلات ) أي أنها من بحر الرمل ، وأن ” يا هاديا يا هاديا ” على وزن ( مستفعلن مستفعلن ) أي رجز .
2 . النَـصب :
وهو ينقسم إلى ثلاثة أجناس هي :-
– الركبانى :- وهو من أحب أنواع الغناء لدى العرب ، لأنه أكثر ملائمة للغناء المرتجل ، وإيقاعه من بحر الرجز .
– السناد الثقيل
– الهزج الخفيف
وقد عرف كل منهما بعد الركبانى بفترة طويلة .
3 . النوح :
وهو الغناء الحزين الذى ينشد في المآسي والأتراح ، والتي كانت تقوم بغنائه النائحات .
4 . الحفـميرى :
وقد عرف هذا النوع من الغناء لدى اليمنيون .
5 . الحنفى :
وقد عرف هذا النوع أيضا من الغناء لدى اليمنيون ، وكلن مفضلا لديهم نظراً لاتسامه بالجدية .
6 . التغبير :-
وهو التهليل والتذكير ، ويشبه إلى حد كبير هذا النوع من الغناء الآذان المعروف .
ولقد تميزت الألحان العربية القديمة بالبساطة في الهيكل النغمي دون تكلف أو تصنع ، كما أنها كانت لا تتعدى حدود الدرجات الصوتية الخمس ( النغمات الخمس الأولى ) فيرتفع اللحن درجتين أو ثلاثة والعكس .
ولقد عرفت مجموعة من الآلات الموسيقية في ذلك الوقت نذكر منها :-
– آلات النقر ( الطرق ) مثل الطبول والدفوف والصلاصل .
– آلات النفخ مثل الشبابة ، الناي ، القصابة ، المجوز البلدي أو الأرغول .
– آلات وترية مثل اللير ، القيثارة ، الهارب ، القانون ، العود .
مع ملاحظة أن هذه الآلات لم تكن بالصورة التي نعرفها الآن
بقى لنا في هذه الفترة أن نعرف ما إذا كان العرب القدامى يقومون بتدوين موسيقاهم أم لا ؟
تدلنا الآثار السومرية والأكادية القديمة على أن العرب قديما اكتشفوا طرقاً خاصة لتدوين ألحانهم خشية ضياعها أو تناقلها عن طريق السمع ، وهذه الطريقة تتضح في اللوحة السومرية الموجودة حاليا في مكتبة ( آشور بانيبال ) والتي بها نشيد الخليقة .
ويقول الأستاذ ( غالين Khalen ) أن هذه الأحرف التى دونت بها ألحان ليست أحرف هجائية بالمعنى المعروف ، وإنما هى مقاطع كلمات تدل على معاني مختلفة يحتاج المطالع لفك رموزها إلى البحث العميق والدراسة الوافية لفهمها .
ويعتبر الأستاذ ( لاند سبركر Land Spreker ) أن الإشارات المبهمة التي ضمتها هذه اللوحة ، أنها عسيرة الفهم وقد دخلت ضمن الألغاز .