ككل الفنانين أنا دائما مشغول وكمعظم الفنانين أنا دائما إما خارج المنزل أو غارق أمام جهاز الكمبيوتر .
و ككل المشغولين مقصر أنا في منزلي من الناحية الاجتماعية .
وككل زوجات المشغولين كثيرا ما تنفجر زوجتي من انشغالي عنها ودفن نفسي إما بالعمل أو بالسهر أو بالقراءة أو بالكمبيوتر والانترنت.
وتجد زوجتي تشغل نفسها بأمور كثيرة ولكن :
كل فترة يفيض بها الكيل فأتلقى أمراً مباشراً منها بأخذها وابنتي في نزهة بالسيارة ندور بها في الشوارع فترى الناس معي و تستطيع محادثتي بنفس الوقت و غالبا ما نشتري ما يلزمنا أو ما لا يلزمنا من أغراض.
طبعا لا أستطيع الرفض مطلقاً فأنا دائما ألوم نفسي لانشغالي عنها وإهمالي هذا الجانب المهم .
لن أطيل عليكم الحكاية طبعا وافقت على النزهة مرغماً رغم أن برودة الجو شديدة جدا وأن المطر يهطل وكأن الماء ينبع من السماء .
( لن أجمل الحقيقة وأقول أن جميع محاولاتي وتوسلاتي لتأجيل النزهة باءت بالفشل ) .
كالعادة بدأنا باللف في الشوارع نتبادل الأحاديث العادية كانت الشوارع في المناطق الخارجية فارغة والسبب البرد والمطر ، فتوجهت إلى مركز المدينة وخاصة أني أريد لزوجتي وابنتي التسلية والتفرج على كائنات الله .
وصلنا إلى مركز المدينة و توقفنا عند أول إشارة مرورية مزدحمة ، و لمحت شرطي السير المسكين ، كان يلبس فوق رداء الشرطة لباساً من النايلون الشفاف والصفارة المعدنية التي يصفر فيها ملتصقة بشفتيه اللتان كانتا ترتعشان رعشة خفيفة ، و بمجرد رؤيته بحالته تلك سرت الرعدة في أوصالي وصرت أرتجف .
الغريب أن هذا الشرطي كان أحد أولئك القلائل المخلصين في عملهم و لذلك لم يحاول التملص من عمله واللجوء إلى مكان قريب دافئ بل ظل ملازما مكان عمله ويتحرك باستمرار و نشاط ربما كي يدفئ نفسه .
التفتت إلى زوجتي وقلت لها أقسم بالله العظيم أن راتب هذا الشخص يجب أن يكون 2000 درر ( الدرر = الدولار )
فاجأت الجملة زوجتي لبرهة ضحكت زوجتي وقالت خالد أنت عم تحكي درر …
ومن ثم أجابتني جواباً جعلني أوقف السيارة على جانب الطريق وأفتح الباب وانزل لأضحك وأضحك رغم المطر … وكأنني أريد أن يلطمنى الماء على وجهي … حتى أفيق من الجواب .
لن أبوح لكم عن محتويات إجابة زوجتي لأنني وعدتها بأن لا اكتبه أو أبوح به لأحد … و إلا ستغضب مني وأنا بالتأكيد لا أستطيع إغضاب زوجتي مثل معظمنا .
صعدت إلى السيارة وبدأت بالتفكير أنه بالفعل يجب أن يكون راتب رجل الشرطة والقاضي 2000 دولار و قد قرأت منذ فترة أنا بعض الدولة المتقدمة تقدم راتبا مفتوحا للقضاة .
نعم إذا أردنا الإصلاح فيجب أن يكون الراتب 2000 دولار لكن بشرط أن الشرطي أو القاضي الذي يقبل رشوة يحكم عليه ب 50 سنة سجن ويجرد هو و عائلته من أموالهم .
ابتسمت ابتسامة خفيفة وقلت في نفسي لنفسي : عبقري زمانك ما شاء الله عليك حليت الأزمة !!!! ذكي ..
عدت للتفكير في أمور بلدنا قلت 2000 دولار ؟ ومن أين ؟
هناك في سورية من الشرطة ورجال الأمن عدد كثير تقريبا نصف الشعب مخابرات والباقي رجال أمن ….
وتذكرت عادل إمام … في إحدى مسرحياته إذ أني صرت أتمتم بصوت منخفض كل عنصر أمن أو شرطي 2000 دولار نضربها ب 9 ملايين مواطن نضربها ب 52 ليرة سورية سعر الصرف … وبدأت أحصي وأحصي …وأخيرا توقفت ، فالأرقام أكبر بكثير مما كنت أتخيل والعملية تحتاج آلة حاسبة وأنا في الطريق .
صرت أضحك وأقول في نفسي
والله إني ذكي !!!! الله أكبر
فعلا رأسي العبقرية أنجبت أفكاراً نيرة
إذا الشرطي والقاضي صلحوا ….صلحت البلاد ….
وأيقظني صوت صفارة شرطي آخر يطلب مني التوقف جانباً … كنت بالفعل مخالفاً فقد نسيت أن أضع الحزام .
قلت له : الحزام مقطوع !!! ثم أردفت انقطع الحزام لأنهم ومنذ سنوات يطلبون منا شد الحزام ويقولون شدوا الحزام … شدوا الحزام فكان أن انقطع الحزام من الشد .
ابتسم الشرطي والحمد لله انه ابتسم وبالتالي لم ندفع المخالفة ! كان والحمد لله مرنا فتقبل منا هدية بسيطة والحقيقة أني تعذبت كثيرا حتى أقنعته بقبول الهدية فقد كان شريفاً ….شررررريييييييييييف .
وإلى اللقاء في نزهة قادمة .
آخر خبر من دائرة النفوس في حلب .
يقول الخبر أن عدد المولودات الإناث المسجلات باسم رشوى … قد ازداد كثيرا في السنوات الأخيرة.